تفسير سورة الماعون بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الله -جل وعلا-:
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ </A>
أي: أخبرني عن الذي يكذب بالدين ما حاله؟ وما شأنه؟ ثم بيَّن الله -جل وعلا- حاله؛ لأن هذا الاستفهام لم يرد به الله -جل وعلا- الاستخبار؛ لأن الله -جل وعلا- أعلم بحاله ووصفه؛ فلهذا بين الله -جل وعلا- صفته، فقال سبحانه وتعالى:
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ </A>
لأن من صفة الذي يكذب بيوم الدين أنه يدع اليتيم، بمعني أنه يدفعه دفعا شديدا، ويقهره، فيتسلط عليه إما في بدنه، وإما في ماله.
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ </A>
وهذه صفة أخرى، فهذا الذي يكذب بيوم الدين، لا يحث غيره على إطعام المسكين، فهو في نفسه لا يحث على الإطعام، فهو في نفسه لا يطعم، كذلك لا يحض غيره على الإطعام؛ لأن العادة قاضية بأن الذي يحض على الإطعام هو الذي يباشر الإطعام بنفسه قبل ذلك.
وكذلك هو لا يرجو ثواب بِرِّ اليتيم، ولا ثواب التَّحَاضّ على طعام المسكين؛ لأنه لا يظن أن هناك يوما يعيد الله -جل وعلا- فيه العباد؛ ليكافئهم ويجازيهم على أعمالهم.
والسهو في الصلاة -كما ذكر بعض العلماء- لا يلزم منه أن يكون الإنسان غافلا عنها؛ لأنه قد يسهو في صلاته بسبب صلاته، فقد يطيل القراءة تعبدا لله، فينسى كم صلى من ركعة؟ وقد يناجي ربه -جل وعلا- ويتضرع بين يديه، ويقدم حاجته لله -جل جلاله- بإلحاح شديد، فيغفل عن عدد الركعات، ولهذا قال بعض العلماء: لا يلزم من السهو في الصلاة أن يكون الإنسان غافلا عنها، بل قد يسهو في الصلاة؛ لكونه مشتغلا بهذه الصلاة.
وعلى هذا حمل بعض العلماء سهو النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، وبعضهم حمل سهوه -صلى الله عليه وسلم- على أن الله -جل وعلا- أراد أن يشرع لهذه الأمة، ويبين لها الحكم إذا سهوا في صلاتهم، فأراد أن يسهو نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليشرع للأمة؛ ويبين لهم أحكام هذا السهو.
ثم قال جل وعلا:
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ </A>
أي: يراءون في عباداتهم، فيفعلونها رئاء الناس، لا يرجون برها، ولا ثوابها من عند الله -جل وعلا- وإنما يصنعونها ليراهم الخلق؛ فلهذا إذا راءوا بها في الدنيا راءى الله -جل وعلا- بهم في الآخرة.
ثم قال جل وعلا:
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ </A>
يعني: أنهم يبخلون بما عندهم حتى الماعون، وهو الشيء القليل؛ لأنه مأخوذ من المعن، وهو الشيء القليل حتى الشيء القليل يبخلون به، وقد مثَّله بعض السلف بالفأس ونحوه؛ لأن هذه أشياء قليلة، فإذا بخل بالشيء القليل، فمن باب أولى أن يبخل بالشيء الكثير.